في وداعية يوم أو شهر الخدمة الاجتماعية

منذ عام 2005 تقريباً بدأ الاختصاصيون الاجتماعيون في المجال الطبي الاحتفاء باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية وعندها كان بتاريخ 18 مارس وكنا نعتمد على شعارات الجمعية الوطنية للاختصاصيين الاجتماعيين (الأمريكية)، وفي كل عام كان الشعار يتغير بناءً على معطيات تخص المجتمع الأمريكي فقط لا غير ومن سنوات قليلة تغير ذلك اليوم ليصبح شهر مارس هو شهر الخدمة الاجتماعية (شهر يخص أمريكا وحدها ولا يخص العالم لذا من الخطأ أن نطلق عليه الشهر العالمي)، بعد ذلك بدأت تلوح بالأفق منظمة تُعنى بالاختصاصيين الاجتماعيين وهي الاتحاد الدولي للاختصاصيين الاجتماعيين وتمتد نشأة هذه المنظمة إلى عام 1928م، طبعاً للوهلة الأولى عندما تقرأ عبارة تلوح بالآفق قد تتوقع بأن المنظمة حديثة العهد ولكن في الحقيقة أنها أوشكت على عامها التسعين ولولا التطور التقني لما عرفنا الكثير عنها، أعود ليوم أو شهر الخدمة الاجتماعية والذي تميز فيه العاملون بالمجال الطبي بشكل كبير جداً وتفوقوا على نظرائهم في المجالات الأخرى بشكل ملفت وتنوعت برامجهم وفعالياتهم.

والخدمة الاجتماعية كمهنة قاربت على انتصاف العقد الرابع من نشأتها في المجتمع السعودي وهي فترة قصيرة مقارنة بمثيلاتها من المهن الإنسانية لكنها ليست قصيرة على الاعتراف بها كمهنة تخصصية تسعى لأن تثبّت أقدامها لتدعم وتساند المجتمع وأفراده، ومنذ نشأتها ظهرت الكثير من العراقيل التي وأدت حلم المؤسسين والمقتنعين بهذه المهنة بعد اعتماد تعليمها بجامعاتنا حيث بدأت المحن تتوالى بداية من المجال التعليمي عندما تقرر الاستغناء عن الاختصاصيين الاجتماعيين واستبدالهم بمسميات أخرى إلى أن تمت إزاحتهم وبشكل كامل ثم تبعها ذلك الخلط الكبير ما بين الخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع لدى فئات متنوعة بالمجتمع، إضافة إلى تأخر ظهور الجمعيات أو النقابات ( سموها ما شئتم ) التي تدعم مهنة الخدمة الاجتماعية ومروراً بعدم اعتراف وزارة الخدمة المدنية بالفرق بين المسميات التي ينبغي التعيين عليها وفق تخصصاتها الدقيقة، جميع هذه الأمور وأكثر جعلت من مهنة الخدمة الاجتماعية مهنة بطيئة النمو في مجتمعنا السعودي سواءً من الناحية التعليمية أو من الناحية المهنية، ورغم اجتهاد بعض الأكاديميين والممارسين لتوضيح جوانب الخلل الذي تسبب في تعطل تطور هذه المهنة إلا أن الظروف المحيطة أقوى بكثير مما نتصور.

وقد تعددت جراح مهنة الخدمة الاجتماعية لكن أكثرها إيلاماً ونزفاً هو جرح الخريجين من هذا التخصص والذين لم يجدوا فرصتهم الكافية لإثبات دورهم من خلال توظيفهم بإحدى الوظائف التي يشغلها أشخاص غير متخصصون، ولا أخفي إيماني التام بمهنتي وبقدرتها على التغيير وكذلك أثق في قدرة الاختصاصيين الاجتماعيين المؤهلين على إحداث الفرق وأدرك تماماً بأن مجتمعي بحاجة ماسة لمهنتي ولمتخصصيها، ونأمل أن يكون المستقبل القريب هو مستقبل للمهنة خاصة في ظل رؤية 2030 التي وضعت أهم هدف للاستراتيجية الأولى لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في خطة التحول 2020 بان تكون هناك زيادة في عدد المؤهلين العاملين في مجال الإرشاد الأسري والحماية الاجتماعية المختصين إلى 21.000 متخصص وذلك بحلول عام 2020، لذا أنصح إخواني وأخواتي الخريجات بأن يعملوا على أنفسهم جيداً ويحصلوا على الدبلومات المتخصصة ويستغلوا وقت فراغهم بزيادة التعليم والتدريب حتى تكون الفرصة قوية للاستفادة من هذا الهدف الاستراتيجي لخطة التحول 2020.

نأتي إلى أهم جانب يجب أن نلقي الضوء عليه وهو الجانب التعليمي والذي يتحمل مسئولية كُبرى من وضع مهنة الخدمة الاجتماعية بالمجتمع السعودي وخلال اللقاء الذي أعدته الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية كان هناك العديد من السلبيات التي طرحها المحاضرون وحقيقة كان ذلك اللقاء متميزاً بالوضوح والشفافية وقد لفت نظري ورقة الدكتور أحمد العجلان رئيس قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة القصيم والتي تحدثت عن مخرجات أقسام وكليات الخدمة الاجتماعية وعلاقتها بالتوظيف في القطاعين العام والخاص حيث أورد مقارنة عن المواد التخصصية التي يتم تدريسها في الجامعات السعودية والاختلاف الكبير بين أقسام الخدمة الاجتماعية في برامجها الأكاديمية حيث جاءت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المرتبة الأولى من حيث تعليم المواد التخصصية في الخدمة الاجتماعية بنسبة 43.8% من إجمالي ساعات برنامج البكالوريوس في حين جاءت جامعة أم القرى في المركز الثاني بنسبة 42.4% من إجمالي عدد الساعات، أما في التدريب الميداني فقد جاءت جامعة أم القرى في المركز الأول من حيث نسبة ساعات التدريب لديها بواقع 10.6% في حين جاءت جامعة حائل في المركز الثاني بواقع 9.4%.

رغم كل هذه الصعوبات إلا أنني أرى مستقبلاً مشرقاً لمهنتنا وهذا الشعور أتى بعد رؤية 2030 إضافة إلى المكاشفة التي تمت في ملتقى جمعية الدراسات الاجتماعية ومقترحهم لتبنّي اجتماع سنوي لرؤساء أقسام الخدمة الاجتماعية في الجامعات وإعادة النظر في البرامج الأكاديمية التي تخص أقسام الخدمة الاجتماعية.

أخيراً… إن كنا راغبين فعلاً في التغيير والتطوير فعلينا إيثار المهنة على أنفسنا وأن نتوقف عن المجاملة على حساب مهنتنا وأن نبدأ في إبراز أنفسنا كمتخصصين مؤهلين ومدربين لممارسة العمل المهني في مجتمعنا السعودي.