الاعتراف المجتمعي لمهنة الخدمة الاجتماعية بين ثقة الممارسين وتطلعات الخريجين

من أكثر العبارات التي قرأتها عن تخصص الخدمة الاجتماعية في وسائل التواصل الاجتماعي هي تلك التي تتحدث عن عدم اعتراف ووعي المجتمع بأهمية المهنة والممارسين لها، هذا الاسقاط الذي من المفترض أن لا يصدر من المختصين يعطي انطباعاً بأن البعض أصبح اعتمادياً ومستسلماً لما يظنه هو عن نفسه لا ما ينتظره منه الآخرون.

ولو سألت أحدهم ماذا قدمت لمجتمعك حتى يعترف بدورك لأجاب “لا شيء”، سأركز في هذه التدوينة على الاختصاصيين الاجتماعيين الممارسين في المجال الطبي الذي أعمل به.

الصورة النمطية التي وضعها بعض الاختصاصيين الاجتماعيين لأنفسهم قبل أو بعد التوظيف ساهمت في قناعتهم بأن الاختصاصي الاجتماعي محارب وغير مرغوب به في المستشفيات وأن وجوده عالة على الفريق العلاجي بشكل خاص وعلى المستشفى بشكل عام كون أن عمله الذي يؤديه يستطيع أي شخص أن يقوم به، هذه الصورة التي ساهمت في الشعور بالنقص والدونية تأثر بها المدير الطبي ومدير المستشفى لأن الاختصاصي الاجتماعي الطبي ساهم في عدم توضيح الدور المطلوب منه مما عجّل بتدخل الإدارة في عمل الاختصاصي وتكليفه بمهام أو حصر مهامه في أمور إدارية بحتة.

من السبب ؟

من خلال المقدمة أعلاه أرى بأن الاختصاصي الاجتماعي هو المسؤول الأول عن تقدير الآخرين له ولعمله والسبب في ذلك يعود للتالي:

  1. هناك مستجدات مهنية وأساليب علاجية تظهر بين الفينة والأخرى وعلى الاختصاصي مواكبة هذا التطور من خلال القراءة والإطلاع.
  2. اعتماد بعض الاختصاصيين الاجتماعيين على الاجتهاد والتدخل المهني العشوائي.
  3. أسباب تعود لشخصية الاختصاصي الاجتماعي نفسه من حيث عدم الرغبة في العمل والابتعاد عن أداء المهام اليومية وعدم الانتظام والكسل وعدم الشعور بالمسؤولية.
  4. يشعر بعض الاختصاصيين بعدم الثقة في شخصيته المهنية وفي الطرق العلمية التي تُسيّر عمله.
  5. المبادرة صفة مهمة جداً في الاختصاصي الاجتماعي وعليه أن يبادر ويفرض نفسه على الآخرين ويشارك في العملية العلاجية بشكل مهني وإيجابي.
  6. الأسلوب العلمي في التسجيل وفي تقييم الحالة الاجتماعية هو مايميز الاختصاصي الاجتماعي عن غيره فإن فقد هذا الأسلوب سيكون مثله مثل أي موظف يستطيع تعبئة الخانات الفارغة.
  7. تفتقد بعض أقسام الخدمة الاجتماعية للاجتماعات اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية حيث تمتاز هذه الاجتماعات بمناقشة الحالات وتبادل الخبرات ونقل التجارب من ممارس لآخر.
  8. في ظل هذا الوضع يتأثر المتدربون بهذه الصورة النمطية سواءً كانوا طلاباً أو خريجين تأثراً سلبياً لأنهم لم يكتسبوا خبرة جيدة ولا مارسوا مهنتهم بشكل جيد وسيختمون تدريبهم بتجربة أسوء.

قد يرى البعض بأنني أجحفت بحق المختصين ولكن لدي إيمان عميق بأن التغيير الداخلي هو الطريق لتعديل نظرة الآخرين تجاه التخصص وممارسيه و الأسباب التي ذكرتها أعلاه قد تختلف من مستشفى لآخر ومن منطقة لأخرى ولكن لا أغفل بل أعترف بتأثير بعض القيادات الصحية التي قد لا تشجع الاختصاصي الاجتماعي على العمل وتضع له العراقيل ولكن نسبتهم قليلة جداً وأنا على ثقة بأن مدير المستشفى أو المدير الطبي إن رأى بصماتك الايجابية على سير العمل فإنه سيغير نظرته وبشكل كبير وما علينا إلا الاجتهاد والمثابرة وإثبات الذات.

وهناك أسباب أخرى وهي تخص كل متخصص في الخدمة الاجتماعية من حيث التسويق المهني فإنه من النادر أن يظهر شخصاً أو مجموعة من المتخصصين في الخدمة الاجتماعية في الإعلام المرئي أو المسموع على الرغم من وجود عدد كبير جداً من المستشارين الاجتماعيين أصحاب المؤهلات العليا وكذلك أصحاب الخبرات الطويلة إلا أن ظهورهم يكاد يكون معدوماً وهذه الرسالة أوجهها لنفسي أولاَ وأوجه لها اللوم قبل الآخرين.

فالمجتمع بحاجة للطبيب لكنه يختار طبيباَ دون آخر ومستشفى دون الأخرى وكذلك يحتاج للمهندس الجيد والمهني الجيد، ومن الأمور الإيجابية أصبحنا نشاهد الاختصاصي الاجتماعي في مراكز الاستشارات الأسرية الخاصة والحكومية وكذلك رأيناه في جهات حكومية حساسة، وهناك مجال لأن يتطوع الاختصاصي بعمله أو حتى العمل بأجر زهيد حتى يثبت نفسه ومن تلك الجهات التي قد يجد نفسه فيها مراكز الأحياء والتي تفتقد للمتخصصين، لكن قبل أن ندخل لهذه المجالات علينا أن نؤمن أولاً بالله ثم بأنفسنا وبمهنتنا وأن نتسلح بالقراءة والبحث في المجال الذي ينوي الاختصاصي الاجتماعي الانخراط فيه.

أخيراً …. رسالتي لكل اختصاصي اجتماعي أعلم ما يعانيه البعض منكم وأمله في أن يجد وظيفة يمارس فيها تخصصه بكل تفاني وإخلاص أو يأمل في تغيير نظرة إدارته تجاه عمله، علينا أن نؤمن بأن لدينا قوة ورغبة في التغيير و أننا نمتلك نظرة ايجابية للحياة و التي يجب أن لا نفقدها ولا نعطي للآخرين فرصة للتقليل منها، فالمجتمع يتأمل منا الكثير وانتم من يستطيع تغيير تلك النظرة السلبية فقط اجتهدوا واعملوا وثابروا واحرصوا على تطوير ذاتكم المهنية ثم توكلوا على الله فهو من سيرزقك ومن يستجيب لدعائك.

قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ “. رواهُ مُسْلِمٌ.